
الشهداء و الشهادة
الشهداء هم بالنسبة لنا الماضي القريب ومصدر قدرتنا على الحياة في الحاضر وقوة الدفع الأساسية نحو المستقبل.
للأمم مقاييس واضحة في إظهار مدى تعلقها بالحريّة وإصرارها على الحياة بشكل حرّ وكريم، وتأتي على رأس تلك المقاييس مقدار التضحيات التي قدّمتها لانتزاع أو صيانة حريتها؛ أو بعبارة أخرى عدد الذين ضحوا بدمائهم في ساحات الوغى لتوفير الحرّية والأمان للباقين. والشهادة في هذا الإطار تعني الموت في سبيل الأهداف السامية.
بينما الطغاة يسفكون الدماء , ويوقعون أدنى قرابين العبودية للبشر , وينتهكون الأخلاق والمواثيق والأعراف , وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله , ترتسم على شفة الشهيد تلك البسمة العذبة النقية الشفافة , أن لا تحسبوا الله غافلا عما يعمل الظالمون
الحقيقة التي لايماري فيها الناس كلهم حتى الآن هي حقيقة الموت , فالجميع يوقن بالمصير إليه , لكن شقوة الأشقياء تغفلهم وتنسيهم المآل , فتفاجئهم لحظة النهاية , تقضي على مااكتسبوه ظلما وزورا , وتمحو ما ضحوا لأجله طوال سني حياتهم , فينتهي النعيم الكاذب , ويذهب الصولجان الموهوم , وينفض الجند المحيطون , ويصير الكرسي الذي سفكوا لأجله دماء الطيبين لايصلح إلا أن يكون نعشا لهم يسلمهم للحظة القبر الرهيبة , حيث لا مناص من لقاء الحقيقة , ولاسبيل إلى الهروب من المصير الأسود
على الجانب الآخر من الصورة رمقة بديعة لا يستطيع رسام أن يقلدها , ولا يمكن لشاعر أن يصفها , ولا تملك الكلمات والمعاني إحاطة بها , قادمة من صورة ذلك الشهيد المسجى في ثيابه الملونة بلون الدم , وقد اضاء وجهه نورا لايعلم أحد من أين استمده بينما شفاهه تبتسم وكأنها تراسلنا برسائل الاهية لانهائية
الجزارون اغتالوا حياته , ورب العالمين يبشره بأروع حياة , والظالمون سرقوا لحظته , وفي السماء تعد له أسارير الفرحة والسعادة الأبدية
لكأن بسمة الشهيد تستغرب فعل السفهاء الحاقدين , والأغبياء السافلين , الذين لم يرعوا ذمة ولا رحما , ولم تأخذهم مكرمة ولا فضيلة , فغطى الطمع أعينهم , ولفهم الظلم الغموس , وحفتهم الشياطين , فعاثوا في الأرض فساداً.
بقلم الرفيقة ريتا القزي