
القديسة تريزيا الطفل يسوع
انها الراهبة الكرملية الشابة التي تمكنت في وقت قصير من البلوغ إلى ذرى القداسة، لأنها اعتمدت في ذلك على قوّة الله الذي استقتها من ايمانها وثقتها الكلية بمحبته الأبوية اللامتناهية. فهي سارت في درب القداسة واقتفت اثار أمها الكبيرة القديسة تريزيا الافيلية واستلهمت تعاليم أبيها الروحي القديس يوحنا الصليبي حتى صارت قديسة مثلهما. فهؤلاء الثلاثة ليسوا قديسين كباراً في نظر رهبتهم فحسب، بل هم عمالقة الروح والتصوف في نظر الكنيسة كلها. أما تريزيا الصغيرة، التي عرفت أن تبتسم دوماً بالرغم مما تخفيه هذه الابتسامة من صلبان وصعوبات. وعرفت أن تكون سعيدة حتى في وسط الظلمات الدمثة التي اجتازتها ذلك لأنها استسلمت بكليتها إلى الله أبيها وهي راضية بكل ما يريده لها، لان كل ما يورده .يؤول إلى خيرها حسب خطة المحبة التي رسمها لها هذا الأب الكلي الحنان.
ليتنا نتعلم منها هذه الثقة الهادئة برحمة الله ومحبته، ونسير مثلها على درب القداسة معتمدين مساعدة الله في كل حين ...
ولدت القديسة تريزيا الطفل يسوع، في بلدة إلنسون سنة 1873، من أسرة مسيحية هي التاسعة بين أبنائها، وحين بلغت الخامسة عشرة من عمرها، انتسبت إلى دير سيدة الكرمل في ليزيو ، حيث كانت قد سبقتها إليه ثلاثة من أخواتها. توفيت في 30 أيلول سنة 1897 شغوفة بحب يسوع، مبتلاة بداء السل الرئوي .
في مستهل حياتها، كانت تعتبر بأن سبيل القداسة يستوجب “قهر الذات”، إلا أنها حين بلغت الثانية والعشرين من عمرها، بدَّلت من تفكيرها وأيقنت بأن القداسة ترتكز على إتقان ممارسة الأعمال اليومية الوضيعة التي يوجبها علينا واقع حياتنا الراهنة.
عاشت بطولة "طريق البساطة الروحية"، فارتقت في غضون سنوات قليلة إلى قمم مدهشة من الإيمان والرجاء. وفي غياهب الظلمات التي اجتازتها، عرفت كيف تظل أمينة ليسوع، بالرغم من المحن الروحية والأدبية والصحية، وثابرت عل الامتثال لتوجيهات أخواتها الراهبات، فيما يتعلَّق بالمتطلبات الرسولية للكنيسة.
هذه هي "طريق البساطة" إلى القداسة المرتجاة، أعادتها إلى الأذهان تريزيا الطفل يسوع فَتَكنَّتْ بحق "تريزيا الصغيرة".
لقد كان شعارها الدائم قول الربّ يسوع: "إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى18/3). فعاشت الطفولة الروحية وشهدت لها، لذلك كانت تقول: "سوف أبقى أبداً طفلةً ابنة سنتين أمامه تعالى كي يضاعف اهتمامه بي"
إن ما يميِّز دعوة تريزيا إلى القداسة هو رغبتها السريعة في تحقيقها، رغم إدراكها لحقيقة الضعف المتأصلة في الإنسان، تقول: "لابدَّ لي من أن أقبل واقعي كما هو، بكلِّ ما فيه من نواقص. إني أريد أن أذهب إلى السماء، سالكةً طريقاً مستقيمة وقصيرة المدى، طريقاً صغيرة وجديدة."
لقد وجدت تريزيا في تأملها الكتب المقدسة "ما كانت تسعى إليه". فكانت تعتبر أن كلمة الله هي دائماً واقعية، بشكل أن تكون موّجهة إلينا مباشرة، وشخصيّاً، ولقد كانت باستمرار "موضوع أشواقها". ولَكَم كانت الطبيعة أيضاً مصدر إطلالة حبِّ الله عليها، حتى أكثرت من الاستعارات والتشابيه المستمّدة من الطبيعة كالورود والطيور والشمس والعاصفة والمطر والضباب.
لم تتأخر تريزيا في إظهار عفويتها، ومواقفها المرحة، كأن تذكر مثلاً أن أمها كانت تنعتها بالـ “عفريته". وأنها حين كانت تمازح أباها تتمنى له أن يموت لكي يذهب إلى السماء.
لقد فهَّم جيداً البابا بيوس الحادي عشر أهمية طريق تريزيا الطفل يسوع المبسطة إلى القداسة، فأعلنها منذ عام 1925 قديسة، ثم جعلها شفيعة للمرسلين في العالم. وفي اليوبيل المئوي لوفاتها سنة 1997 وضعها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في مصف معلمي المسكونة بإعلانها "معلمة الكنيسة الجامعة" رافعاً إياها إلى مرتبة أعاظم القديسين، هي التي كانت تعتز بصغرها وضِعة شأنها.
فالنعم التي ننالها بشفاعتها كثيرة لا عدَّ لها ومثبتة. فلنبادر إليها نحن أيضاً بطلباتنا وهي تعرف كيف تشفع لنا لدى الرب الذي أخلصت له في كلِّ شيء وفي كلَّ لحظة من حياتها.
خمسة وعشرون عاماً هي سني حياة القديسة تريزا الطفل يسوع على الأرض، قليلة أمام عيوننا البشرية، لكنها كاملة في نظر الله تعالى، فقد منحها الله خلال تلك السنون سيرة عطرة حملت الكثير من الأعمال العظيمة والأقوال الصالحة حتى استطاعت القديسة تريزا أن تكتشف تدبير الله لها ورسمت القديسة لنفسها طريقاً روحياً جديداً بشرته به العالم اجمع في الارتقاء نحو الكمال عبر سلم الطفولة الروحي.
بقلم الرفيقة ريتا قزي