مؤتمر اشكاليات النقد البيئوي في الآداب والفنون والعلوم الانسانية الشهال: اضحى منهجا معتمدا عالميا
افتتح مركز الابحاث في عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية مؤتمر "إشكاليات البعد النقدي البيئوي في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية" برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين ممثلا بعميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية الدكتور محمد بدوي الشهال، وذلك في قاعة العميد الدكتورالشهال في المعهد في سن الفيل.
حضر حفل الإفتتاح عمداء كليات الآداب والعلوم الإنسانية والتربية والفنون الجميلة الدكاترة أسما شملي وزلفا الأيوبي وجان داود، مديرا الفرعين الأول والثاني للكلية الدكتور نبيل الخطيب والدكتور ديزيره سقال، مديرة مركز اللغات والترجمة الدكتورة هدى مقنص، ممثلو الجامعات الخاصة، وفد جامعي عراقي وحشد من الأساتذة والطلاب.
سقال
بداية النشيد الوطني فنشيد الجامعة ثم كلمة تقديم للدكتور سقال، أشار فيها الى ان المعهد العالي للدكتوراه والجامعة اللبنانية عموما، "حريصان على أن يكونا حاضرين دائما ليحتضنا كل جديد، وينقلاه الى طلابهما، فيكشفان عنه، ويبقيان حيين على مستوى عصرهما، ويشرقان بامتياز في فضاء الزمن. والجامعة اللبنانية، بهمة رئيسها وعمدائها ومديريها وأساتذتها والعاملين فيها، تؤدي لطلابها الذين تعتز بهم، وللوطن، خدمة جلى، فاتحة لهم الباب ليكونوا على مستوى التطور الثقافي، ويواكبوا رياح العولمة التي تعصف في كل مكان"، مؤكدا ان "جامعتنا ستبقى منارة الشرق، رغم كل زوابع التخلف التي تعصف به لتشده الى الوراء، تارة تحت ستار ديني، وطورا تحت ستار عسكري، وأحيانا تحت ستار فكري".
حمدان
بدورها، لفتت منسقة المؤتمر رئيسة قسم اللغة الفرنسية وآدابها في الفرع الأول الدكتورة ديما حمدان الى "ان تحويل التعليم الى طرق مترابطة ومتعاونة هو تعاطف مع المكان، مع المحيط الحيوي. من هنا تنشأ ضرورة إعادة التفكير في فصل الإنسانيات عن العلوم المادية، بل هي "شبكة متعاونة" تتخطى النهج التبسيطي في دراسة الظواهر"، وقالت: "إذا كانت الإنسانيات تلعب دورا في التربية، فهي لا تنفصل عن تربتها وجذورها حيث لا يمكن فصل الإنساني عن المادي".
اضافت: "في هذا السياق، نشأت فكرة إقامة المؤتمر الذي يجمعنا اليوم حول مفترق الطرق بين الإنسانيات والعلوم والإدارة والذي يقوم على مبدأ التشبيك بين المحاور، المحور الأول محاولات تعريف وتحديد هوية علم البيئة وقدمه، ولا يجوز اعتباره علما مكتشفا في اميركا وأوروبا. بل هو يتطور بفعل التواصل المباشر وغير المباشر بين الحضارات على مر العصور، المحور الثاني ارتباط التعليم بالتربية المستقاة من قيم الطبيعة، الثالث يتطرق الى دراسة الترابط الخطابي والتعاون اللغوي البيئي في العلوم والإدارة والإعلام، بينما المحور الرابع يسلط الضوء على ابعاد الأدب المتعلقة بالنظم الأيكولوجية ووسائل التعبير عنها، أما المحور الخامس والأخير، فسيبرز كيفية تعاطي الفن والتكنولوجيا مع البيئة، ولا يستغربن أحد أن يضم المؤتمر أبحاثا عن الرقميات والإنترنت، إذ تساءل أحد العلماء قائلا: أليست التكنولوجيا علما من العلوم الإنسانية؟.
وقالت: "أفردنا في نهاية البرنامج فقرة تعرف عن الشاعر العميد الدكتور محمد بدوي الشهال رغم إصراره على عدم إدراج هذه الفقرة في المؤتمر، والقصيدة هي ترجمة للدكتورة رلي ذبيان".
دوفيني
وأكدت المديرة المنتدبة لإدارة السياسة العلمية في الوكالة الجامعية للفرنكوفونية- مكتب الشرق الأوسط سيلفي دوفيني أهمية هذا المؤتمر وارتباطه بتيار التجديد في الفكر، مشيرة الى انه "متعدد المناهج ومتداخل الثقافات إضافة الى ان الأدب الأميركي هو السباق في مجال علم النقد البيئوي وبالإهتمام به في أوروبا"، وسألت: "فهل يحتوي الأدب العربي معان تستفز النقاد وتؤدي الى ما يسمى بالنقد البيئوي".
وقالت: "لا شك ان هذا المؤتمر سيعرفنا الى إشكاليات جديدة في الأدب ونظرة جديدة للطبيعة، لا تشبه النظرة الرومنسية. وهذا المؤتمر قد أعلن عنه في العنوان الألكتروني للوكالة الفرنكوفونية التي تتبنى تمويل 25 حدثا علميا كل سنة".
كما أعلنت ان الوكالة الفرنكوفونية هي بصدد التحضير لورشتي عمل لطلاب الماستر في بداية الصيف، مشيرة الى انه يمكن الإطلاع على البرامج عبر الموقع الألكتروني للوكالة.
شملي
ثم تحدثت عميدة الكلية الدكتور شملي مشيرة الى ان النقد البيئوي في الأدب والفنون والعلوم الإنسانية قد يبدو للوهلة الأولى نقدا جديدا بعض الشيء وقد يقول أحدهم ما علاقة النقد الأدبي بالبيئة؟ وقد يظن البعض ايضا اننا في مؤتمرنا هذا في صدد عرض نقد جديد، فالنقد البيئوي يعرف الآن في الغرب على انه مقاربة نقدية للنص الأدبي يلحظ فيها تصدر الأرض لدي الكاتب، وهذا ما تطالعنا به إحدى دراسات لورانس بريلت كمفهوم للكاتبة الغاية منها الأرض، أي الطبيعة التي يتهددها اليوم الخطر. من هنا جاء النقد البيئوي في الغرب كقراءة يفرضها واقع معاصر لأرض أصبحت اليوم مهددة. إلا ان هذا النقد ليس حديثا كما قد يظن البعض، فلطالما تغنى الأدب الرومنطيقي في الغرب بالأرض-الأم، الأرض الصديقة أو حتى الأرض كمعبد تسمو فيه الروح وتتحد بالخالق"، مشيرة الى ان "الفكر الغربي تغنى بالأرض كرد فعل على منظومة اعتمدت منذ عصر النهضة وترسخت مع ديكارت والفلاسفة حيث اعتبر الإنسان سيدا ومالكا للأرض، ولم يدرك الإنسان الغربي إلا حديثا ان الإساءة للأرض هي إساءة للانسانية، فزوال الأرض يعني زوال الإنسان".
وذكرت ان الأدب العربي عرف منذ القدم كيف يتغنى بالأرض - الأم بالبيداء والقمر المنير، بالواحة وحتى بالأطلال كصورة تذكر بالحبيبة، ثم تنوعت في ما بعد في عصر ما بعد الإسلامي صور وجدانية لدى شعراء عرب أسرتهم في أرض الشام والعراق طبيعة غناء لم يألفوها من قبل، وجاءت موشحات الأندلس في ما بعد تأخذ من حسن أرض غرناطة واشبيلية وفي طيب الزهر وصفاء الماء ما تعبق به كلمات الموشح، فتهفو اليه روح القارىء في زمانهم كما في زماننا".
وقالت: "هذا الحوار بين الإنسان والأرض لم يكن غريبا عن الفكر العربي يوما، وان بدا غريب ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من فكر تخلى عن جماليات عرفها قرونا ليأخذ فقط عن حضارة الغرب خلال القرن الفائت القشور وإيثار المادة، فكانت ثروتنا الاسمنتية".
الشهال
وختاما، تحدث ممثل رئيس الجامعة العميد الدكتور الشهال فقال: "حافظ الانسان الاول في العهود القديمة على الطبيعة واحبها اكثر من انسان اليوم، غير انه رغم ذلك لم يتفهم ما تمثله من قدسية وإلهام وحياة واستمرار، فمثلا لو قرأنا سوية في ملحمة كلكامش السومرية لوجدنا ان "همبابة" حارس غابة الارز في لبنان الذي لا يسمح لاحد بدخولها او بقطع اشجارها او تشويهها هو رمز للشر".
اضاف: "لو آمن السومريون والفراعنة والفينيقيون وغيرهم من الشعوب القديمة بأهمية الغابات والطبيعة لما قطعت الاشجار من اجل الملوك واثاث المنازل وعروش الاباطرة وصناعة السفن والبيوت بالطريقة الهامة التي جرت بها، ولما قتلت الحيوانات وانقرض بعضها، ولما تم اصطياد الطيور بنفس الطريقة الوحشية".
وأشار الى انه "مع تطور الزمان والتكنولوجيا والحياة المادية اصبح الانسان اكثر عدائية للطبيعة وللبيئة التي يعيش فيها، فدمرت الطبيعة واختل التوازن البيئي. كما ساهمت الثورة الصناعية في اوروبا في القرنين الثامن والتاسع عشر والى اليوم بإهمال الطبيعة وقطع اشجارها وتشويه صورتها، وتهجير اهلها الى المدن الصناعية ، فصرح الشعراء الرومانسيون بأعلى اصواتهم حزنا وألما على ما شاهدوه، وما قصيدة أوليفر جولد سميث "القرية المهجورة" الا خير شاهد على ذلك، وانكب الرومانسيون يصفون الطبيعة بمشاعر ملؤها الالم والوحدة والحزن على فقدان هذه البيئة الجميلة وتشويهها والتحسر على اوضاعهم النفسية والعاطفية والاقتصادية حتى انهم عزلوا انفسهم وعاشوا بعيدا عن المجتمع المادي وذابوا حزنا في البيئة الطبيعية. ولكنهم لم يذودوا عنها ولم يصدوا ما تعرضت له ونادرا ما كتبوا عما شاهدوه من تشويه وتخريب للبيئة الطبيعية ، ومع بداية القرن العشرين لاحظ الكثير من الشعراء والادباء والفنانين وغيرهم من علماء الدراسات الانسانية اهمية الحفاظ على ما تبقى من هذه البيئة الطبيعية، فطهرت الحركات والتيارات السياسية والاجتماعية والادبية والنقدية".
اضاف: "ورد في الموسوعة العربية العالمية المجلد الخامس "ان البيئة هي الاطار الذي يعيش فيه الانسان ويؤثر فيه ويتأثر به"، ويذكر الكاتب ماهر الجعفري في كتابه نحو فلسفة ايمانية للتربية البيئية ان البيئة تتمثل في ما يحيط بالانسان من هواء وتربة وضوء وشمس ومعادن في باطن الارض ونبات وحيوان على سطحها وفي بحارها ومحيطاتها وانهارها".
وتابع: "يظهر جليا من كل ما تقدم أن موضوع البيئة والنقد البيئوي اصبح حاجة ملحة لعالمنا المعاصر لانه يخص وجودنا اليومي وكينونتنا الانسانية وحياتنا كما حياة كل المخلوقات والحيوانات الموجودة على سطح هذه الارض وعمق بحارها"، لافتا الى "ان النقد البيئوي يعرف على انه دراسة الادب والبيئة من منظور متداخل او بين اكثر من وجهة نظر او علم، فهو اكثر من علم تتداخل وتتشابك فيه المسارات والتخصصات لتبحث في امور البيئة محاولة بذلك ايجاد حلول عملية وتطبيقية لتصحيح مشاكل البيئة المعاصرة التي تشوه الحياة والطبيعة والانسان، لا تشوهها ماديا فحسب وانما خلقيا ونفسيا واجتماعيا".
وأشار الى ان هذا النقد قد اطلق مع نشر كتابين في اواسط تسعينيات القرن الماضي، اولها " قارىء النقد البيئوي" حرره كل من شاربل كلوت فلتي وهارولد فرم والكتاب الثاني هو" الخيال البيئي" للكاتب لورنس بيول. وقد يكون الناقد والكاتب وليم روكارت هو اول من استعمل مفرد النقد البيئي وقد نشر روكارت مقالة في العام 1978 تحت عنوان "الادب وعلم البيئة" وكان هدف ريكارت التأكيد على تطبيق علم البيئة والمفاهيم البيئية في دراسة الادب. كذلك تم نشر كتابه والكثير من المقالات الادبية والنقدية والسياسية بعد اطلاق صرخة علم البيئة في اواخر الستينات، حين لم تكن هناك حركة ادبية او نقدية تدرس هذه المفاهيم، فاندثرت او وضعت تحت عناوين ادبية اخرى".
وقال: "بدأت في اوائل الثمانينات محاولة جادة من نقاد وباحثين لاطلاق ما يسمى بالنقد الادبي البيئوي وذلك من خلال "مؤسسة الادب الغربي" . ويؤكد لورنس بيول أن تجاوبنا مع الطبيعة هو نوع من الثقافة، او ما يذكر الى جانب الثقافة. ويضيف لاحقا في كتابه "الخيال البيئي" ان ازمة البيئة هي ازمة الخيال وما يلزمنا هو تحسين لطرق افضل لتخيلنا للطبيعة وعلاقة الانسان فيها. وفي اوائل التسعينات اعتبرت الاديبة الدكتورة" غلوتفيلتي" الاستاذة في جامعة نيفادا بمدينة رينو هذا العمل كأول عمل للنقد البيئوي واعتمدت كأهم اساتذة جامعة نيفادا في الادب البيئوي واصبحت الجامعة مركزا فكريا للنقد البيئوي وتطورت لتصبح مؤسسة تضم آلاف المنتسبين في الولايات المتحدة وحدها".
وأعلن ان النقد البيئوي اضحى منهجا معتمدا عالميا ومعروفا لدى الكثير من الادباء والكتاب والتيارات السياسية والبيئية كمنظمة "الخضر" ومجموعة "شعراء البيئة" ومجموعة "النقد الادبي البيئوي".
واختتم بترجمة قصيدة قصيرة للكاتب الاميركي كارل ساند برك بعنوان "Grass The".