
خميس الأسرار
كان الصليب بالنسبة للسيد المسيح، هو طريقه في بناء الملكوت، وكان الاتضاع هو طريقه نحو الصليب، وطريقه في الصليب.
تحتفل الكنيسة المارونية بصلاة وطقوس خميس الأسرار، الذي يسمى أيضاً "خميس الغسل، بتقوى وخشوع وتعبّد وتوبة وتتأمل بحزن وأسى في عذابات السيد المسيح، وتعتبره من الناحية الإيمانية يوماً يجسّد جوهر ولبّ وقلب الأسبوع الأخير من الصوم الكبير. يلي خميس الأسرار الجمعة العظيمة وسبت النور ومن ثم عيد القيامة المجيد حيث قهر الرّب المتجسّد الموت وكسر شوكته. قام من القبر وانتصر على الشرّ وغفر لنا بصلبه وآلامه الخطيئة الأصلية، كما علّمنا معاني المحبة والغفران والتسامح وبذل الذات من أجل الآخرين. " ليس من حبّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن أحبائه".
مسمى "خميس الأسرار" يرمز إلى سرَّي القربان والكهنوت اللذين أرسى المسيح أسسهما الإيمانية خلال العشاء السرّي الفصحي الأخير له على الأرض. داخل العلية جلس يسوع حول المائدة مع تلاميذه وأقام معهم قدّاسه الإلهي الأخير قبل صلبه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء. في ذلك اليوم حوّل يسوع خبز المائدة إلى جسده، والخمر إلى دمه، وقال: "خذوا كلوا منه كلّكم، هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا"، وقال: "خذوا اشربوا منها كلّكم: هذه هي كأس دمي الذي يراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا". خلال العشاء الفصحي المقدّس هذا كرّس وثبّت يسوع تلاميذه كهنة للعهد الخلاصي الجديد وأسّس الخدمة والرسالة الكهنوتية بقوله لتلاميذه: "اصنعوا هذا لذكري".
وحتى يُعلم تلاميذه والبشر أجمعين متطلبات وقواعد المحبة والتواضع ومبادئ العطاء والتضحية وخدمة الغير التي لا حدود لها، قام وغسل أرجلهم بنفسه قبل أن يُطهر ويغسِل وينقي نفوسهم من الشرّ والذنوب والخطايا من خلال دمه الذي سيراق على الصليب من أجل الغفران والدخول في العهد الخلاصي الجديد.أراد السيد المسيح أن يوضح أن الهدف من صلبه هو غسل أرجل تلاميذه. بمعنى أن خدمة التطهير وغسل الخطايا، هي مسؤوليته باعتباره الفادي والمخلص.
و في ختام هذا القدّاس، يُنقَل القربان من بيته في المذبح الكبير إلى مكان مُعَدٍّ ليكون سجناً للمسيح حيثُ يبقى فيه حتّى وقت المحاكمة يوم الجمعة العظيمة.
وبعدها، يزور المؤمنون سبع كنائس، متأمّلين بمراحل محاكمة يسوع وآلامه بحسب الترتيب التالي:
عليّة العشاء السريّ، جتسمانيّة(بستان الزيتون)، في المجلس عند قيافا، في قلعة أنطونيا عند بيلاطُس، عند هيرودُس، عند بيلاطُس مجدّداً، الجلجلة.
هبنا يا ربّ ان نحتفل بهذا النهار بخشوع وسلام ليملأنا الفرح و الحزن رمز لعذابك وخلاصك، وموتك وقيامتك. طهرنا، يا حمل الفصح الحقيقي بدمك حتى نموت معك عن الشرّ، ونحيا فيك بالبرّ.
بقلم الرفيقة ريتا القزي