
القديسة رفقا
تسع وعشرون سنة ً: عمياء، كسيحة ومخلـَّعة المفاصل. بآلامها وبجراحاتها استطاعت القول: رأيتُ الإله.
جذبتْ رفقا بصليبها كلّ مَنْ كانَ تعِبًا ومُعذبًا، وبطريق صليب، توصَّلت رفقا إلى كمال الحبّ.
في ٢٩ حزيران ١٨٣٢ و في ذكرى القديسين بطرس وبولس ابصرت الطفلة بطرسية النور في بيت والديها المتواضع في حملايا –المتن الشمالي- لبنان، و بقيت وحيدة لوالديها مراد و رفقا. و في ٧ تموز من السنة نفسها تلقت سر العماد في كنيسة القديس جرجس في حملايا على يد كاهن الرعية الخوري حنا الريّس و حملت منذ تلك اللحظة اسم شفيعها القديس بطرس فدعيت بطرسية.
و نشأت رفقا في ظل والديها على الأيمان و الصلاة و المحبة, و لكنها لم تلبث ان صعقت بوفاة والدتها و هي لاتزال طفلة في السابعة من عمرها، الا ان الله خفف من مرارة اليتم، عندما دخل يسوع في قلبها صباح يوم مناولتها ألأولى.
و استجابة لرغبتها في التقرب من الله، أوحي اليها ان تذهب الى دير سيدة النجاة في بكفيا سنة ١٨٥٩ و تترهب في جمعية المريمات التي أسسها الخوري يوسف الجميّل وقد أصبح لها مرشداً روحياً، هداها سواء السبيل، ولشدة ما أثارت أعجابه أطلق عليها تسمية زنبقة حملايا. و لم تلبث أن أتشحت بثوب الأبتداء في ١٩ آذار ١٨٦٠ يوم عيد القديس يوسف، لتبرز نذورها الرهبانية في المناسبة نفسها و بعد سنة واحدة. اتخذتْ لها في الرَّهبنة إسم والدتها رفقا.
و انطلقت بطرسية في رحلة الآلام!
طلبَتْ إفتقاد الرَّبّ فكانَ بدء الآلام والأوجاع. شعرت بوَجَع أليم في رأسها انتهى بها إلى عمًى لازَمها ستّ عشرة سنة. وبعد سنوات عدَّة، انطفأ نور عينها الأخرى وأصبحت عمياء. مسيرة الآلام استمرّت فشعرت بوَجَع مؤلم في جنبَيها ما لبث أن تحوَّل إلى شَلل وتفكـُّك في عظامها.إحتملت رفقا هذه الآلام وهي صابرة، صامتة، فرِحة ومردّدة: "مع آلام المسيح" حتى مماتها برائحة القداسة في ٢٣ آذار ١٩١٤ في دير مار يوسف-جربتا، وقد أمضَت حياتها في الصلاة والخدمة وحمل الصليب.
و يذكر عنها في لحظاتها ألأخيرة أنها لم تقبل أن تفوتها قربانة الفادي فتحاملت على نفسها و زحفت بأوجاعها و عجزها لتبلغ الكنيسة و كم كانت دهشة الراهبات عظيمة أذ رأينها على هذه الحال فشعرن بدافعٍ خفي يدعوهنّ الى الخشوع و تمجيد الرب الأله .
و كانت النهاية فرقدت رفقا برائحة القداسة في ٢٣ آذار ١٩١٤ يوم أثنين الرماد بعد أن تناولت القربان المقدس و هي تردد بصوت متقطع"يا يسوع يا مريم يا مار يوسف أنني أهبكم قلبي و ذاتي و روحي" و هناك ووريت الثرى.
و استضاء الكون بنورٍ ساطع من قبرها ثلاثة أيام متتالي.
ذاع صيت قداستها فكان سبباً لفتح دعوى منحها شرف الطوبا ويين السماويين و بوشرت التحقيقات باشراف السلطة الكنسية سنة ١٩٢٦ .
علنت مكرمة في ١١ شباط ١٩٢٨، ثم أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني في ١٧ تشرين الثاني ١٩٨٥ طوباوية، و قدوة و مثالاً في عبادتها للقربان الأقدس لليوبيل القرباني لعام ٢٠٠٠ رفعها البابا عينه قديسة على مذابح الكنيسة الجامعة في ١٠ حزيران سنة ٢٠٠١.
بقلم الرفيقة ريتا القزي