
القديسة ريتا
وُلدت القديسة ريتا في روكابورينا (إيطاليا) سنة 1381، لوالدين فاضلين تقيّين هما: "أنطونيو منشيني" و"أماتا فاري".
توفّيت في كاسيا في 22 أيّار سنة 1457.
وفي عام 1628، أعلنها قداسة "البابا أوربان الثامن" طوباويّة.وفي عام 1900، أعلنها قداسة البابا "لاون الثالث عشر" قدّيسة.
وُلدت القدّيسة ريتا في "روكابورينا" من مقاطعة "أومبريا" في إيطاليا والدها تقيّان فاضلان، تسامت فيهما قداسة الأخلاق السخيّة وحرارة التقوى والمحبّة الكريمة ومضى زمن طويل على زواجهما وطعنا في أيّامهما دون أن يرزقا ولدًا... وفيما كانت "اماتا" يومًا غارقة في تأمّلها رأت ملاكًا أكّد لها وصول صلاتها إلى عرش الله وسوف يرزقها ابنة تكون عظيمة أمام الربّ. وظهر لها الملاك ثانية وطلب منها أن تدعو الابنة "مرغريتا" فاختصرت باسم "ريتا".
بينما كانت ريتا لا تفتكر إلاّ بالله وبأبويها الشيخين اللذين ما كانا يفهمان أسرار نفسها البتول، وكانا يفتكران بزواجها. وكانت في الثانية عشرة من عمرها. ومن جهة أخرى لم تتعوّد أن تخالف أمر أبويها الشيخين ولو بأصغر الأشياء.عندما فاتحها أبواها بالزواج. لم ترفض طلبهما لأنّها تعوّدت إطاعتهما طاعة عمياء ولم تكن تريد أن تحزنهما فتزوجت "بول فرديناندوس" طالب يد ريتا، لم يكن شابًّا دمث الأخلاق أو محبّ السلام بل كان قاسيًا اشترك أحيانًا بالمبارزة. إذن كان بإمكانه أن يسبّب شرًّا جسيمًا إذا لم ترضى ريتا وأهلها بهذا الزواج...
لكنّه تعالى مقابل هذا العذاب منحها نعمًا أخرى خاصّة نعمة اهتداء زوجها وخلاص نفسه وقد حذت بذلك حذو القدّيسة "مونيكا" والدة القدّيس "أغسطينوس"، فاقتدت بمثالها لكي يجعلها مثل الصبر البطولي عند دخولها بيت زوجها الجديد. ولا بدّ أنّها صلّت كثيرًا لاهتداء زوجها وتحمّلت بصبر جميل وسكوت حدّة طبعه وإهاناته وشراسة أخلاقه واعتنت بتدبير وأناقة بيتها ليرى فيه زوجها كلّ ما يرضيه...
كان لزوج ريتا أعداءٌ كثيرون بسبب ميوله للمقاتلة. وعندما كان يهان كان يترقّب فرص الانتقام وإذا لم يتمكّن من شفاء غليله كانت صاعقة غضبه تنقضّ على زوجته المسكينة بالتجاديف والكلام الفظّ والضرب القاسي، وقد كادت يومًا ان لا تفلت من الموت لو لم تدبّر العناية الإلهيّة ويحضر أبواها قبل حلول الكارثة. ومع كلّ هذا كانت كالحمل الوديع تتحمّل بصبر ودون أن تفتح فاهًا إلى أن أتى اليوم الذي انتصر فيه الحمل على الذئب وأعادت نفس زوجها إلى الله.
ولقد رزقت منه بولدين هما جان جاك وبول ماري، ولكنهـما للأسف كانا قد ورثا عن أبيهما شراسة الطبع وكان قلب الأم يعاني من الآلام والهموم بسبب ميولهما الـمنحرفة علـماً بأنهـا كانت تلجأ لكل الوسائل لكي يظل ولداها سائرين فى خوف الله. ولقد قضت القديسة ريتا السنين الطوال فى قلق متواصل لأجل خلاص ولديها. وذات يوم فوجئت بجثة زوجها بعد أن قتل وقد قيل أنـه قُتل بأيدي أعدائـه أو نتيجة خطأ وكان هذا حوالـى عام 1413.وأخذت تصلي من أجل خلاص نفسه وقد غَفَرت للقتلة ولكن ولديها أصرّا على الأخذ بالثأر والإنتقـام،فأخذت تتوسل اليهما ان يتركا هذا الأمر فلم توفّق، فصرخت للرب أن يأخذهما اليه ولا يسمح لهما بإقتراف هذه الجريـمة.ولم يـمض على ذلك أيـامُُ حتى مرض ولداها وماتـا بعد ان تزودا بالأسرار الـمقدسة ولم يتمكنا من الأخذ بالثأر.وعلى أثر ذلك الإنقلاب غير الـمنتظر وجدت القديسة ريتا نفسها وحيدة ولازمت منزلها تواصل صلاتها وحّن قلبها ثانيـة للإلتحاق بالرهبنة ودخول الدير. وكان بالقرب من كاشيا دير لراهبات القديس اغسطينوس، إشتهر فى تلك الـمنطقة بكمال الحياة الرهبانية،فقصدته القديسة ريتا ولكن يـا لخيبة أملها رُفِضَ طلبهُا لأن قانون الرهبنة يـمنع دخول الـمتزوجات أو الأرامل،ولكنها كررت طلبها هذا ثلاث مرات ولكن دون فائدة. فعادت الى منزلها واعتكفت فيه عائشة فى صلاتها وتأملاتها الـمتواصلة وكان إيمانها قوياً وثابتاً. وذات ليلة بينما كانت القديسة ريتا مستغرقة فى صلاة حارة طالبة العون من شفعائها القديس يوحنا الـمعمدان والقديس أغسطينوس والقديس نقولا تولنـتـن، إذ بنور سماوي يملأ حجرتها فجأة وظهر لها القديسون الثلاثة طالبيـن منها أن تتبعهم. وفى الخارج كان الليل حالكاً ولأنهـا أسلـمت ذاتهـا للتدبيـر الإلهـي وتبعت مرشديها القديسين وهى لا تدري الى أين ستذهب،وفجأة لـمحت الدير أمامها ورأت الباب يُفتح والرئيسة واقفة بداخله بتدبيـر إلهـي فقدّمها القديس اغسطينوس للرئيسة التى قبلتها فى الحال.وفى سنة 1417 إرتدَت القديسة ريتا ثوب رهبنـة بنات القديس اغسطينوس وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها. ومنذ أن دخلت الدير حتى بدأت تـعيش قوانين الرهبنة بدقـة لا مثيل لها وتحيا حياة التعبد والخشوع وفى طاعة كاملة ومحبة متأنيـة. وذات يوم رأت الأم الرئيسة أن تفرض على الأخت ريتا بأن تسقي جذع شجرة ميت منذ زمن طويل يقع عند مدخل الدير، وكان علي القديسة ريتا أن تقوم بهذا العـمل صباحاً ومساءً مهما كانت حالة الجو. وفى ذات يوم فوجئت أن ذلك الجذع تكسوه كرمة ناضرة تتلألأ بعناقيد من العنب ذات رائحة جميلة،فتعجّبن لذلك جميع الراهبات وسجدن مسبحات الله،وهذه الكرمة باقية ليومنا هذا وتُعرف باسم "كَرْمـة القديسة ريتا".لقد كانت الآم السيد الـمسيح هى الـموضوع الدائم لتأملات القديسة ريتا،وكثيراً ما كانت تُرى ساجدة أمام يسوع الـمصلوب تبكي بدموع غزيرة. ويوما مـا توسلت إلى يسوع الـمصلوب أن يجعلها تشعر فى جسدها ولو بألم إحدى جراحاته،وما أن انتهت من طلبتها حتى إنفصلت بأعجوبة عن اكليل يسوع شوكة من أشواكه وإندفعت بشدة لتنغرس فى وسط جبينها،ولـم يلتئـم الجرح أبداً رغم العناية والعلاج الدائـم بل بالعكس كان يـتسع ويتفاقم وكانت تنبعث منـه رائحة كريهة للغايـة إضطرت بسببها أن تعيش منعزلة عن إخوتها الراهبات. وإستمر ذلك الألم خمسة عشرة عاما دون توقف والقديسة تتحمل فى شكر ولا تكف لحظة عن حمد الله على تلك النعمة الفريدة.
واستمرت على هذه الحال أربع سنوات قاست أثناءها الاماً لا توصف وقبل وفاتها بثلاثة أيام ظهر لها السيد المسيح تصحبه أمه القديسة مريم العذراء وقال لها أنها بعد ثلاثة أيام تكون معه في السماء و قبلت الزاد الأخير و المسحة المقدسة وفي 22 ايار سنة 1457 فاضت روحها الزكية الجميلة و تركت هذا العلم الغرور و حلقت نحو السماء .
وما كادت القديسة تلفظ نفسها الأخير حتى مجدها الله بكثير من العجائب وقد قرعت الملائكة جرس الدير فأسرعت الراهبات إالى غرفتها وهن يفكرن برائحة الجرح المنتن لكن ماكان أشد اندهاشهن لما أقتربن من الجثة فوجدن الجرح مندملاً تفوح منه رائحة زكية ووجه ريتا جميلاً يطفح بشراً وابتساماً وقد تقدمت إحدى الراهبات المشلولة اليد لتعانق القديسة وما أن عانقتها حتى شعرت بشفاء يدها الكامل..ونظرلكثرة العجائب التي أفضها الله على طالبي شفاعتها نادى بها الشعب قديسة قبل أن تثبت الكنيسة قداستها ولما تكاثرت الخوارق التي جرت بعد موتها قررت السلطة الكنسية و المدنية معاً وضع جثمانها في محل لائق معروضاً في تابوت من السرو مكشوفاً وكان الله قد حفظه من كل فساد وينضح رائحة لذيذة و هكذا وضع في المصلى داخل الدير تحت مذبح العذراء و بقي مكرماً على هذه الحالة حتى سنة 1595حيث نقلوه إلى الكنيسة وبعد سنوات احترق هذا التابوت بسبب شمعة مضاءة وقعت عليه ولكن جسم القديسة لم تمسه النار بأى أذي .
بقلم الرفيقة ريتا القزي